بسم الله الرحمن الرحيم

Rechercher dans ce blog

lundi 26 mars 2012

القضية الفلسطينية في السياسة الخارجية الفرنسية

القضية الفلسطينية في السياسة الخارجية الفرنسية

فرنسا التي تستقبل الرئيس الفرنسي ياسر عرفات للعلاج تعتبر دائما أن الرئيس المنتخب في سنة ١٩٩٦ يبقى الشريك الذي لا يمكن إيجاد تسوية عادلة لمشكل الشرق الأوسط بدونه
________________________________________
تعتبر القضية الفلسطينية، من بين الملفات التي لم تتغير حولها السياسة الخارجية الفرنسية منذ فترة حكم الجنرال شارل دوغول. حسب الخبير في شؤون الشرق الأوسط والمؤرخ بول ماري دولا غورس، حتى وإن أصبح ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في المرتبة الثانية بسبب حرب العراق، إلا أنه يبقى بالنسبة لباريس مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط وهي المنطقة القابلة للإنفجار أكثر في العالم. في هذا السياق، يمكن فهم القرار الذي اتخذه الرئيس الفرنسي جاك شيراك شخصيا باستقبال ياسر عرفات في مستشفى بيلي كالامار العسكري لتلقي العلاج من المرض الذي أصيب به قبل حوالي أسبوعين وبعد هذا التدهور المفاجئ في وضعه الصحي يومه الأربعاء إلى الخميس الماضيين. يسجل أمنون كابليوك صحفي إسرائيل ومؤلف كتاب يتناول سيرة حياة الرئيس الفلسطيني، أن فرنسا تحترم الشرعية الدولية وتتعامل مع الرئيس الفلسطيني باعتباره الرئيس المنتخب من طرف شعبه. وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك قد برر مجيء القائد الفلسطيني المريض لفرنسا بقوله عندما يكون لشخص ما في وضعية مرض، يفرض الجانب الإنساني نفسه على الجميع، غير أن هذه المبادرة تحمل في طياتها جوانب سياسية بالنسبة لدولة تطمح لأن تلعب دورا ما في الشرق الأوسط، ليضيف بول ماري دولا غورس بأن هذه المبادرة، بالنسبة للدول العربية، تبقى شيئا، يحسب لفائدة فرنسا. يشار إلى أن المسؤولين الفرنسيين هم كذلك آخر من قام بزيارة الرئيسي ياسر عرفات المحاصر في رام الله، ففي نهاية شهر يونيو الماضي، اختار وزير الخارجية الفرنسية ميشيل بارنييه إلغاء زيارته لإسرائيل عوض التخلي عن زيارة رام الله، بالنسبة لفرنسا، لا يمكن القيام بأي شيء بدون عرفات داخل مسلسل السلام، حتى أن ميشيل بارنيه أوضح بتاريخ ١٩ أكتوبر الماضي في إسرائيل بأن التاريخ علمنا أنه لا يمكن أن نختار عدونا. سبق لفرنسا أن قامت بدور رئيسي في صيف ١٩٨٢ عندما تدخلت لإنقاذ حياة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الذي كان رهينة تحديدات القوات الإسرائيلية التي قررت إنهاء الوجود الفلسطيني في لبنان. بمبادرة الرئيس فرانسوا ميتران، ساعد العسكريون الفرنسيون على إخراج ياسر عرفات من بيروت التي غادرها تحت حماية الجيش الفرنسي بتاريخ ٣٠ غشت ١٩٥٢. والظاهر أن الرئيس فرانسوا ميتران الذي كان صديقا لدولة إسرائيل كان من المدافعين عن الحقوق الوطنية للفلسطينيين، فيما يوضح بول ماري دولا غروس حتى أن ميتران أوضح ذات يوم أنه من حق الفلسطينيين القتال. تعود أول زيارة قام بها ياسر عرفات لباريس إلى ٢ ماي ١٩٨٩ حيث استقبله الرئيس فرانسوا ميتران، ستة أشهر بعد موافقة منظمة التحرير الفلسطينية على قرارات الأمم المتحدة التي تعني الاعتراف بالدولة العبرية، غير أن علاقات ياسر عرفات بالرئيس جاك شيراك تبدو قوية وواسعة في شهر يناير من سنة ١٩٩٧ وخلال زيارته السادسة للرئيس الفرنسي، أوضح الرئيس الفلسطيني أنه كلما واجه مشكلا إلا وقام بزيارة »الدكتور شيراك«
وثائق القضية الفلسطينية
45
رقم الوثيقة

مشروع المعاهدة البريطانية مع الشريف حسين
اسم الوثيقة
يتعهد صاحب الجلالة البريطانية بأن يعترف باستقلال العرب في العراق و شرقي الأردن والحكومات العربية الموجودة في شبه جزيرة العرب ما عدا عدن ، وأما فلسطين فقد تعهد صاحب الجلالة البريطانية بأن لايفعل في تلك البلاد قد يجحف بما للشعب العربي من حقوق مدنية ودينية.
ويعترف صاحب الجلالة الهاشمية بمركز صاحب الجلالة البريطانية الخاص في العراق وشرقي الأردن وفلسطين ويتعهد بأنه - فيما يقع ضمن حدود نفوذ جلالته الهاشمية في الأمور المتعلقة بهذه الأقطار سيبذل أفضل جهوده للتعاون مع صاحب الجلالة البريطانية في سبيل قيامه بالتزاماته.
نص الوثيقة
وثائق القضية الفلسطينية
34
رقم الوثيقة

صور منشور ألقته الطائرات البريطانية موجه من الشريف حسين إلى الجنود والضباط العرب في الجيش التركي في فلسطين اسم الوثيقة
أصدر شريف مكة وملك الحجاز الحالي منشورا إلى الضباط والجنود العرب في الجيش العثماني وطلب منا أن نبلغهم إياه. فاقرأوه بتمعن واغتنموا الفرصة لتهربوا وتأتوا إلينا وسنستقبلكم كأصدقاء مرحبين بكم وستلاقون منامعاملة حسنة وستجدون معنا مندوبين من قبل شريف مكة وملك الحجاز الحالي فسيستقبلونكم وتساعدونهم أنتم في تحرير العرب ( الجيش الانجليزي في فلسطين).
إلىجميع العرب وسواهم من الضباط والرجال الموجودين في الجيش العثماني ، سمعنا بمزيد من الأسف أنكم تحاربوننا، نحن الذين نجاهد في سبيل المحافظة على أحكام الدين الإسلامي الشريف من التغيير والتحريف ولتحرير العرب قاطبة من حكم الأتراك.
ونحن نعتقد أن الحقيقة الخالصة لم تصل إليكم لذلك أرسلنا إليكم هذا الإشعار ممهورا لنؤكد لكم أننا نحارب لأجل غايتين شريفتين وهما حفظ الدين وحرية العرب عامة.
ولقد أرسلنا الأوامر المشددة إلى عموم رؤساء ورجال قبائلنا بأنه إذا أسرت جيوشنا أي واحد منكم يجب أن يعاملوكم بالحسنى ويرسلوكم إلى أولادي حيث يرحبون بكم ويحسنون وفادتكم. لقد كانت المملكة العربية مستعبدة تحت سلطة الأتراك مدة طويلة فقتلوا إخوانكم وصلبوا من رجال الكثير، ونفوا نساءكم وعيالكم بعد تحريف دينكم، فكيف تطيقون الصبر بعد ذلك وتتحملون عناء الاستمرار وترضون بمعاونتهم . هلموا للانضمام إلينا نحن الذين نجاهد لأجل الدين وحرية العرب حتى تصبح المملكة العربية كما كانت في عهد أسلافكم إن شاءالله تعالى، والله الهادي إلىسواء السبيل.

شريف مكة المكرمة وأميرها
وملك البلاد العربية
الحسين بن علي نص الوثيقة

رقم الوثيقة

رسائل متبادلة بين الشريف حسين وسير هنري مكمهون اسم الوثيقة
مكة في 28 رمضان سنة 1333 (14 يوليو سنة 1915) لصاحب السعاة والرفعة نائب جلالة الملك بمصر، سلمه الله.
أقدم لجنابكم العزيز أحسن تحياتي الودية واحتراماتي وأرجو أن تعملوا كل مافي وسعكم لتنفيذ المذكرة المرسلة إليكم طيه، المتضمنة الشروط المقترحة المتعلقة بالقضية العربية.
وأود بهذه المناسبة أن أصرح لحضرتكم ولحكومتكم أنه ليس هناك حاجة لأن تشغلوا أفكاركم بآراء الشعب هنا، لأنه بأجمعه ميالإلى حكومتكم بحكم المصالح المشتركة.
ثم يجب ألا تتعبوا أنفسكم بإرسال الطيارات أو رجال الحرب ، لإلقاء المناشير، وإذاعة الشائعات ، كماكنتم تفعلون من قبل ، لأن القضية قد قررت الآن.
وإني لأرجوا هنا أن تفسحوا المجال أمام الحكومة المصرية، لترسل الهدايا المعروفة من الحنطة للأراضي المقدسة مكة والمدينة التي أوقف إرسالها منذ العام الماضي.
وأود أن ألفت نظركم إلىأن إرسال هدايا هذا العام، والعام الفائت، سيكون له أثر فعال في توطيد مصالحنا المشتركة وأعتقد أن هذا يكفي لاقناع رجل ذكي مثلك ، أطال الله بقاءكم.
حاشيه- أرجوا ألاتزعجوا أنفسكم بإرسال أي رسالة ، قبل أن تروا نتائج أعمالنا هنا، خلا الجواب على مذكرتنا وما تتضمنه.
ونرجو أن يكون هذا الجواب بواسطة رسولنا كما نرجوا أن تعطوه بطاقة منكم ليسهل عليه الوصول إليكم عندما نجد حاجة لذلك.
والرسول موثوق به.
المذكرة: لما كان العرب بأجمعهم دون استثناء - قد قرروا في الأعوام الأخيرة أن يعيشوا وأن يفوزا بحريتهم المطلقة، وأن يتسلموا مقاليد الحكم نظريا وعمليا بأيديهم ولما كان هؤلاء قد شعروا وتأكدوا أنه من مصلحة حكومة بريطانيا العظمى أن تساعدهم وتعاونهم للوصول إلى أمانيهم المشروعة، وهي الأماني المؤسسة على بقاء شرفهم، وكرامتهم وحياتهم.
ولما كان من مصلحة العرب أن يفضلوا مساعدة حكومة بريطانيا عن أية حكومة أخرى بالنظر لمركزها الجغرافي ، ومصالحهم الاقتصادية وموقفهم من حكومة بريطانيا.
أنه بالنظر لهذه الأسباب كلها يرى الشعب العربي أنه من المناسب أن يسأل الحكومة البريطانية إذا كانت ترى من المناسب أن تصادق بواسطة مندوبيها أو ممثليها على الاقتراحات الأساسية الآتية:
أولا: أن تعترف انجلترا باستقلال البلاد العربية من مرسين - أدنه ، حتى الخليج الفارسي شمالا ومن بلاد فارس حتى خليج البصرة شرقا، ومن المحيط الهندي للجزيرة جنوبا يستثنى من ذلك عدن التي تبقى كما هي - ومن البحر الأحمر ، والبحر المتوسط حتى سينا غربا.
على أن توافق انجلترا أيضا على إعلان خليفة عربي على المسلمين.
ثانيا: تعترف حكومة الشريف العربية بأفضلية انجلترا في كل مشروع اقتصادي في البلاد العربية، إذا كانت شروط تلك المشاريع متساوية.
ثالثا: تتعاون الحكومتان الانجليزية والعربية في مجابهة كل قوة تهاجم أحد الفريقين وذلك حفظا لاستقلال البلاد العربية وتأمينا لأفضلية انجلترا الاقتصادية فيها. علىأن يكون هذا التعاون في كل شيء، في القوة العسكرية والبحرية والجوية.
رابعا: إذاتعدى أحدالفريقين على بلد ما ونشب بينه وبينها عراك وقتال ، فعلى الفريق الآخر أن يلزم الحياد ، على أن هذا الفريق المعتدي إذا رغب في اشتراك الفريق الآخر معه ففي وسع الفريقين أن يجتمعا معا ويتفقا على الشروط.
خامسا: مدة الاتفاق في المادتين الثالثة والرابعة من هذه المعاهدة خمس عشرة سنة. وإذا شاء أحد الفريقين تجديدها عليه أن يطلع الفريق الآخر علىرغبته قبل انتهاء مدة الاتفاقية بعام.
وفوق هذا فإننا نحن عائلة الشريف نعتبر أنفسنا إذا لم يصل الجواب - أحرارا في القول والعمل من كل التصريحات والوعود السابقة التي قدمناها بواسطة على أفندي.
رقم الوثيقة

رسالة من السير هنري مكمهون إلى الشريف حسين اسم الوثيقة
إلى السيد الحسيب النسيب سلاسلة الأشراف وتاج الفحار وفرع الشجرة المحمدية والدوحة القرشية الأحمدية صاحب المقام الرفيع والمكانة السامية السيد ابن السيد والشريف بن الشريف السيد الجليل المبجل دولتوا الشريف حسين سيد الجميع أمير مكة المكرمة قبلة العالمين ومحط رجال المؤمنين الطائعين عمت بركته الناس أجمعين.
بعد رفع رسوم وافر التحيات العاطرة والتسليمات القلبية الخالصة من كل شائبة نعرض أن لنا الشرف بتقديم واجب الشكر لإظهاركم عاطفة الاخلاص وشرف الشعور والاحساسات نحو الانجليز. وقد يسرنا علاوة على ذلك أن نعلم أن سيادتكم ورجالكم على رأي واحد وأن مصالح العرب هي نفس مصالح الانجليز والعكس بالعكس. ولهذا النسبة فنحن نؤكد لكم أقوال فخامة اللورد كتشنر التي وصلت إلى سيادتكم عن يد على أفندي وهي التي كان موضحا بها رغبتنا في استقلال بلاد العرب وسكانها مع استصوابنا للخلافة العربية عند اعلانها.
وننانصرح هنا مرة أخرى أن جلالةملك بريطانيا العظمى يرحب باسترداد الخلافة إلى يد عربي صميم من فروع تلك الدوحة النبوية المباركة.
وأما من خصوص مسألة الحدود والتخوم فالمفاوضة فيها تظهر أنها سابقة لأوانها وتصرف الأوقات سدى في مثل هذه التفاصيل في حال أن الحرب دائرة رحاها ولأن الاتراك أيضا لا يزالوا محتلين لأغلب تلك الجهات احتلالا فعليا وعلى الاخص ماعلمناه وهو مما يدهش ويحزن أن فريقا من العرب القاطنين في تلك الجهات نفسها قد غفل وأهمل هذه الفرصة الثمينة التي ليس أعظم منها - وبدل إقدام ذلك الفريق على مساعدتنا نراه قد مد يد مع ذلك فأنا على كمال الاستعداد لأن نرسل إلىساحة دولة السيد الجليل وللبلاد العربية المقدسة والعرب الكرام من الحبوب والصدقات المقررة من البلاد المصرية وستصل بمجرد إشارة من سيادتكم وفي المكان الذي تعينونه . وقد عملنا الترتيبات اللازمة لمساعدة رسولكم في جميع سفراته إلينا ونحن على الدوام معكم قلبا وقالبا مستنشقين رائحة مودتكم الزكية ومستوثقين بعرا محبتكم الخالصة سائلين الله سبحانه وتعالى دوام حسن العلائق بيننا . وفي الختام أرفع إلى تلك السدة العلياكامل تحياتي وسلامي وفائق احترامي .
تحريرا في 19 شوال 1333
الموافق 30 أغسطس 1915
المخلص السيد ارثر مكماهون
نائب جلالة الملك. نص الوثيقة
خارطة الموقع
ابحث
رقم الوثيقة

حديث بين الكومندر هوجارت والملك حسين في موضوع الرسالة التي أبلغ جلالته إياها
اسم الوثيقة
تلوت رسالة وزارة الخارجية رقم 1 الأمة العربية والحاجة إلى الوحدة فوافق الملك بلهجة ودية وقال : إنهاتعبر عن أساس كل اتفاقنا فقلت أنه نظرا لطول الوقت الذي مضى رأي الحلفاء من المستحسن تكريرها الآن.
ثم قال الملك أنه إذا كان هناك تعديل ثانوي لاتفاقنا معه تفرضه علينا ضرورات الحرب فهو مستعد لأن يعترف بمثل هذه الضرورة بصراحة، ولكن طلب أن نبلغه بمثل هذه الصراحة التعديل والضرورات التي تقتضيه.
ثم تناولت الرسالة رقم 2 الإدارة الدولية في فلسطين فذكرت الملك بالتحفظ الوارد في التفاق الأصلي الذي يكفل مصالح خاصتنا لحلفائنا، لاسيما فرنسا، فرد بإشارة فكاهية إلى فاشودة معربا بذلك عن شكه في وجود اتفاق حقيقي دائم في المصلحة بين فرنسا وبيننا، فأغضبت عن هذه الاشارة مكتفيا بإشارة تنبئ عن المخالفة وقلت : إن فرنسا قد صارت ترى بعيوننا فيما يتعلق بالمسائل العربية وأنها تؤيد كما نؤيد نحن خطط فيصل وأنها تأخذ بالرأي الذي يعتنقونه بقوة في أمريكا وهو أن الشعب يجب أن تكون له الحكومة التي يرغب فيها- وأنها أي فرنسا لا تريد إلا أن تحمي وتساعد الحكومة المستقلة في سوريا.
ثم تلوت الرسالة رقم 2 فوافق الملك قائلا: إن العقل الذي يستطيع أن ينتج هذا قادر على أن يبتدع نوعا من الادارة يصون كل المصالح ويكفلها . وأثنى على بريطانيا العظمى وأشاد بتصرفها فيما يتعلق بمسجد عمر وذكر امتناع الخليفة عمر عن دخول المعابد المسيحية أو التعرض لها في فلسطين ، فإذا استطعنا أن نضع بيانا على مثال الرسالة رقم 2 مع إغفال الاشارة إلىالادارة السياسية فإنه مستعد أن يذيعه علىالعالم الاسلامي كله.
وانتقلت إلى الرسالة رقم 3 إقامة اليهود في فلسطين ومهدت لها ببيان عن نمو الحركة الصهيونية في خلال الحرب وعظم قيمة المصالح اليهودية ومزية التحالف معها وكان الملك يبدو عليه الاستعداد لقبول الصيغة ووافق بحماسة قائلا أنه يرحب باليهود في كل البلاد العربية. فأوضحت له أن حكومة جلالته مصممة على صيانةمصالح الأهالي الأصليين. نص الوثيقة

الوحدة النقدية الأوروبية وإشكاليات اليورو

الوحدة النقدية الأوروبية وإشكاليات اليورو


المقدمة
تشهد الساحة الاقتصادية العديد من التغيرات قد يكون لها آثار مهمة على العلاقات الاقتصادية الدولية ولعل من أهم هذه التغيرات الاتجاه إلى نحو الإقليمية .. وفي هذا الصدد شهدت السنوات الأخيرة من القرن العشرين ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية اتجاهات قوية نحو تشكيل تجمعات اقتصادية إقليمية احد مقوماتها الروابط التاريخية والثقافية والجغرافية المشتركة.وقد حققت بعض هذه التجمعات الاقتصادية خطوات كبيرة من التقدم اتجاه تحقيق أقصى صور التكامل الاقتصادي ولعل من أهمها الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر النموذج الأمثل للتكامل الاقتصادي والنقدي والذي بدى في بادئ الأمر على شكل تجمعات أوروبية متفرقة في الخمسينات والستينات والتي تباينت أهدافها وتعد التجارب الأولى في حقل التنظيم الأوروبي وأبرزها المجموعة الأوروبية للفحم والصلب والسوق الأوروبية المشتركة ….الخ

ولقد أفضى في سنة 1999 الى تحقيق الوحدة النقدية تعززت بإصدار اليورو في جانفي 2002 الذي زاد ثقة الأوروبيين في مسيرة التكامل المنتهجة .



الإشكالية:

إن الوحدة النقدية الأوروبية تثير العديد من التساؤلات أهمها:

-لماذا اعتمد الأوروبيين عملة واحدة؟ وكيف استطاعوا تحقيقها؟

- من المسؤول عن السياسة النقدية في الاتحاد الأوربي ؟

- ما هي فلسفة البنك المركزي الأوروبي في مجابهة إشكالية الوحدة النقدية ؟

- ما هو دور البنوك المركزية للدول الأعضاء في نادي اليورو ؟

- ما هي أولويات السياسة النقدية ؟



الفرضيات:

للإجابة على التساؤلات السابقة نفترض إن البنك المركزي الأوروبي هو المسوؤل عن رسم السياسة النقدية في الاتحاد الأوروبي و إن هذه السياسة تتخذ بالتنسيق بين الدول الأعضاء .



أهمية الدراسة:

إن السياسة النقدية في الاتحاد الأوروبي سياسة فريدة من نوعها على المستوى العالمي سواء من حيث الميكانزماتها أو من حيت آلياتها ومن تم فان التجربة الأوروبية تجربة رائدة تستحق الدراسة نظرا لخصائصها الأساسية و التي ينبغي الوقوف عندها.



نطاق الدراسة:

لا يخفى أن موضوع الاتحاد النقدي و الاقتصادي الأوربي هو موضوع واسع النطاق و متعدد الأوجه.لذلك فان محور البحث هو عن السياسات النقدية المشتركة في الاتحاد الأوربي .



منهج البحث:

يتم في هذه الدراسة إتباع الأسلوب الوصفي الاستقرائي لبيان السياسة النقدية المشتركة في الاتحاد الأوروبي .



خطة البحث وتقسيماته

بالرغم من قناعتنا بأنه توجد أكثر من خطة بديلة لدراسة أي موضوع ,إلا إننا تماشيا مع المنهج السابق الذكر , قمنا بتقسيم هذا البحث إلى ثلاثة فصول,حاولنا من خلالها الإلمام بكافة جوانب الموضوع.

الفصل الأول خصص لنشأة النظام النقدي الأوروبي وتطوره .

الفصل الثاني تطرقنا من خلاله إلى آلية عمل النظام النقدي في الاتحاد الأوروبي وأهدافه .

وفي الأخير حاولنا في الخلاصة تقديم رؤية شاملة عن التجربة الأوروبية في مجال التكامل النقدي .



1-النظام النقدي الأوروبي... النشأة والتطور:



يعتبر الاتحاد النقدي الأوروبي من أهم تجارب التكامل الاقتصادي في الوقت الراهن ,حيث ظهرت الحاجة الملحة له بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما خلفته من دمار اقتصادي لأوروبا والتي كانت المحفز الأول للتفكير في إقامة نوع من التكتل والتعاون بين دول القارة .



أولا : التطور التاريخي لنشأة الجماعة الاقتصادية الأوروبية :

تم في سنة 1947 توقيع اتفاقية تأسيس الاتحاد الاقتصادي(الجمركي) لدول البينولكس,وكان يشمل ثلاث دول أوروبية هي:هولندا ,بلجيكا ولكسمبورغ[1] وفي عام 1949 تم تكوين المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي والتي تكونت من 16دولة تعهدت بموجبها ممارسة تعاون وثيق في علاقاتها الاقتصادية

المتبادلة.وقد تناول هذا الالتزام بشكل أساسي تنمية الإنتاج الوطني و الاستقرار المالي وحرية التبادل بين الدول الأوروبية .[2]

وبعد الإعلان بعام عن خطة روبرت شومان وزير خارجية فرنسا أي في 18/04/1951 انشات فرنسا وألمانيا وايطاليا ودول البنوليكس (المجموعة الأوروبية للفحم والصلب) بهدف التوصل إلى سوق أروبية مشتركة في هاتين السلعتين الإستراتجيتين[3] وتنظيم التنافس بين الصناعات الأوروبية ومع إن فترة الخمسين سنة الماضية كانت مليئة بالعمل في حقل التنظيم الأوروبي والاتجاه نحو تحقيق الوحدة إلا انه يمكننا تحديد المحطات الرئيسية التالية :

1- معاهدة روما :

تم توقيعها في روما وذالك في مارس 1957 بين الدول الستة المذكورة سابقا ,والتي تعتبر الوثيقة المؤسسة للمجموعة الاقتصادية الأوروبية والهادفة الى: [4]

-إلغاء الرسوم الجمركية على التجارة الداخلية بين الدول الأعضاء ووضع تعريفة جمركية موحدة اتجاه دول العالم الأخرى .

- إزالة الحواجز القائمة في وجه انتقال رؤوس الأموال وللأشخاص والخدمات بين الدول الأعضاء .

-تنسيق السياسات الاقتصادية بين الدول الأعضاء.

- وفي نفس السنة (1957)وقعت نفس الدول اتفاقية تأسيس المجموعة النووية الأوروبية ,وقد كونت المجموعات الثلاثة السالفة الذكر ما يسمى بالمجموعة الأوروبية وقد تم التوقيع في بروكسل في عام 1967 على اتفاق التوحيد الذي بموجبه يصبح للمجموعة الأوروبية الهيئات التالية :

-مجلس وزراء مشترك و مفوضية مشتركة .

- جمعية برلمانية ومحكمة أوروبية.

2-الطريق نحو الوحدة النقدية :

لم تتوقف محاولات التعاون النقدي بين الدول الأوروبية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بدءا بإنشاء اتحاد المدفوعات الأوروبي عام 1950 وبعد تكوين السوق الأوروبية المشتركة بموجب معاهدة روما سنة 1957 هذه السوق عرفت فيما بعد باسم الجماعة الاقتصادية الأوروبية ,تركزت جهود التعاون النقدي من اجل مواجهة أزمات اقتصادية مختلفة ,مثل اختلال موازين المدفوعات ,زيادة مستويات,التضخم ,الركود الاقتصادي ,زيادة نسب البطالة ,تدهور وضع الدولار كعملة الاحتياط الدولية ثم وقف تحويله الى ذهب .

وقد تطورت محاولات التعاون النقدي من مجرد كونها ترتيبات لمواجهة الأزمات المختلفة التي تتعرض لها دول الجماعة الأوروبية لكي تصبح هدف في حد ذاته وهو تحقيق الوحدة الاقتصادية والنقدية الأوروبية الهدف الذي حققته معاهدة ماستريخت في 7/02/1992 التي بموجبها أنشئ الاتحاد الأوربي و الذي يجسد التعاون الاقتصادي و النقدي الأوربي .[5]



ثانيا : مراحل تطور النظام النقدي الأوربي:

ان فكرة تكوين وحدة نقدية و اقتصادية فكرة قديمة ظهرت منذ الخمسينات من القرن الماضي ,و لكنها لم تلق النور بسبب وجود نظام( بريتون وودز)العالمي لتثبيت أسعار الصرف, الشيء الذي أعاق إقامة نظام نقدي منفصل داخل أوربا, وبعد انهيار هذا النظام و ازدياد معدلات العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي و انخفاض الدولار بنسبة 10% في فبراير 1971 ظهرت الحاجة لإصدار وحدة نقدية أوربية مستقلة[6] .

وخلال سعيها لوضع نظام نقدي فعال مر هذا النظام بالمراحل التالية:[7]

1- نظام الثعبان النقدي:

قام الاتحاد الأوروبي عام 1972 طبقا لما سمي بنظام الثعبان داخل النفق " Snake in the Tunnel " بتحديد هوامش تذبذب العملات الخاصة بالدول الأعضاء بالنسبة للعملات الأجنبية و كانت مرتبطة هذه العملات بالدولار الأمريكي مع السماح بتذبذبها في حدود2.25% حول سعر الدولار . أما طبقا لنظام الثعبان النقدي فقد خفضت النسبة إلى النصف تقريبا و أصبحت أسعار صرف العملات للدول الأعضاء مثبتة فيها بينها مع وجود هامش التذبذب، في حين تكون هناك العملات حرة في التعويم بالنسبة للعملات الأجنبية. أصبح نظام الثعبان غير ذي جـدوى و تم إلغـاءه و استبداله بالنظام النقـدي و ذلك بسبب تعميم فكرة حرية التعويم عام 1973.

2- النظام النقدي الأوروبي :

نظرا لفشل نظام ( الثعبان النقدي ) تم إستيحداث النظام النقدي الأوروبي و دخل حيز التطبيق في منتصف مارس 1989 وفقا بهذا النظام يكون لكل عملة من العمولات التي تنتمي إلى التحالف سعرين أحدهما مركزي و هو الذي يحدد علاقة كل عملة بوحدة النقد الأوروبية و يسمح للعملات بالتذبذب في حدود 2.25% صعودا و هبوطا من هذا السعر ، باستثناء الليرة الإيطالية حيث سمح لها بتذبذب في حدود 6 %صعودا و هبوطا حتى يناير 1990 حيث أخذت بالهوامش الضيقة . أما السعر المحوري الذي يحدد العلاقة بين كل عملة و العملات الأخرى الداخلة في التحالف .

و هنا تجدر الإشارة إلى أن " وحدة النقد الأوروبية " هي عبارة عن سلة من الأوزان النسبية لعملات الدول الأعضاء في الجماعة و يتحدد هذا الوزن بمدى مساهمة العملة في الدخل القومي و التجارة الخارجية لكل دولة ويتم تغيير الأوزان النسبية للعملات دوريا كل خمس سنوات ، أو في حالة حدوث تغيير في قيمة أي عملة بنحو 25 % أو أكثر .

و يقابل إصدار وحدة النقد الأوروبية قيام البنوك المركزية للدول الأعضاء، بإيداع نسبة قدرها 20 % من احتياطياتها من الذهب، و كذلك 20 % من أرصدتها من الدولار لدى صندوق التعاون النقدي الأوروبي.

أدى عدم تكوين سوق موحدة بين أطراف التحالف على الرغم من النجاحات النسبية التي حققتها هاته الأطراف في سبيل الوحدة إلى تعديل اتفاقية روما بما يتلاءم مع الأهداف المطروحة لذلك أصدر البرلمان الأوروبي عام 1986 الوثيقة الأوروبية الموحدة ( Single European ACT )التي أكد فيها ضرورة تحقيق الوحدة الاندماجية الكاملة بين الأعضاء.

و عدلت في هذا السياق الجماعة الأوروبية من أهداف سياستها النقدية، حيث تم تغيير التركيز من العمل على استقرار الأسعار و التوظيف الكامل و النمو الاقتصادي المستمر، خلال الستينات و السبعينات إلى هدف التحكم في التضخم، مع النظر إلى استقرار الأسعار كشرط ضروري، لتحقيق سائر الأهداف الاقتصادية بما في ذلك استمرارية النمو الاقتصادي.

و حاولت كل دولة عضو الوصول بمعدل التضخم بها أقل حد ممكن مقارنة بالمعدل الألماني. لكن بإتحاد الألمانيين بدأت معدلات تضخم في الارتفاع بشكل كبير و ارتفعت معها معدلات الفائدة مما أدى إلى حالة من حالات الركود الشديدة، و خلال الفترة من سبتمبر 1992 إلى ماي 1993 انسحبت الليرة الإيطالية و الجنيه الإسترليني من آلية أسعار الصرف و انخفضت البيزيتا الأسبانية ثلاثة أضعاف ، الأسكودو البرتغالي مرتين و الجنيه الايرلندي مرة واحدة ،على الرغم من ذلك أثيرت الشكوك حول انخفاض الفرنك الفرنسي مقابل المارك الألماني و من ثم إتخد البنك المركزي للاتحاد قرار لتوسيع هامش التذبذب إلى 2.25% إلى15%لكي تستعيد دول الاتحاد استقرارها السابق ، بجانب إمكانية تخفيض معدلات الفائدة كلما لزم الأمر . كما سمح للبنك المركزي الألماني بالحفاظ على استمرار أسعاره في الحدود المتاحة.

3- تقرير ديلور :

يتطلب تحقيق التكامل النقدي توحيد عملات كل دول الاتحاد بعملة واحدة يتم التعامل بهـا بين هذه الأقطـار، و هذه الدرجة العالية من التكامل تتطلب إيجاد بنك مركزي واحد للمنطقة ككل ، بحيث تكون هناك سلطة نقدية واحدة هي التي تحدد السياسة النقدية الواجبة التطبيق في المنطقة .

لهذا السبب أنشأ المجلس الأوروبي ( الذي يضم رؤساء دول و حكومات بلدان الجماعة ) في جوان 1988 لجنة برئاسة " جاك ديلور " و تضم محافظي البنوك المركزية للدول الأعضاء . و ذلك لوضع الخطوات التي تؤدي إلى قيام الاتحاد الاقتصادي و النقدي و قد اقترحت هذه المجموعة خطة لتحقيق الوحدة النقدية ووضع التقرير ثلاثة قواعد لهذه الوحدة :

التحويل الشامل للعملات.

تكامل البنوك و الأوراق المالية.

إلغاء هوامش التذبذبات و المحافظة على المساواة في أسعار الصرف للعملات الأعضاء.

كما أشار التقرير إلى الحاجة الماسة لوجود مؤسسة نقدية أروبية، إذ أن وجود سياسة نقدية واحدة لا يمكن في وجود قرارات مختلفة في عدة بنوك مركزية، و أقترح لهذا النظام النقدي الجديد : النظام النقدي للبنوك المركزية European System of Central banks"ESCB " و هو المسؤول عن تشكيل و تنفيذ السياسات الموجهة من قبل لجنة تابعة للـ "ESCB "



ثالثا- اتفاقية ماستريخت والتدرج للوحدة النقدية :

من اجل استكمال الخطوات السابقة , عقدت الدول الأعضاء في الجماعة الاقتصادية الأوروبية مؤتمر قمة في فبراير 1992 بماستريخت (هولندا ) لوضع التعديلات النهائية لمعاهدة روما ولتوقيع اتفاقية جديدة لإنشاء الاتحاد النقدي والاقتصاد الأوروبي .

-1-أهداف الاتفاقية :

تشمل مايلي:[8]

تشير اتفاقية ماستريخت في المادة الثانية (إن الهدف هو إنشاء سوق مشتركة واتحاد اقتصادي نقدي)وذالك عن طريق توحيد السياسات والأنشطة من اجل تدعيم النمو الاقتصادي مع توسيع نطاق العمالة والحماية الاجتماعية وتتضمن الاتفاقية تنظيم كافة نواحي الحياة تشريعيا,اجتماعيا ,إذ أنها تعتبر وثيقة عمل أوروبية .

-إما بخصوص السياسة النقدية تشير المادة 105 من اتفاقية ماستريخت الى (إن هدف نظام البنوك المركزية الأوروبية هو العمل على استقرار الأسعار وتدعيم السياسة الاقتصادية لدول الجماعة ) ومنحته الاتفاقية لذالك الاستقلالية الكاملة عن السلطات الوطنية الأوروبية .

- وفيما يتعلق بالسياسة المالية تهدف أتفاقية ماستريخت إلى تامين التنسيق الجيد بين السياسات المالية لحكومات الدول الأعضاء للمساعدة على إيجاد مزيج مناسب بين سياساتها الاقتصادية وهذا أمر ضروري من وجهة نظر السياسة النقدية ونظرا لوجود مجموعة من الميزانيات الوطنية كان من الضروري ممارسة رقابة دقيقة متبادلة وتنسيقا بين مختلف السياسات المالية في اقتصاديات الدول الأعضاء[9]

2- مراحل الوحدة النقدية:

- إن من أهم النتائج التي توصلت إليها المجموعة قبل معاهدة ماستريخت تحديد مراحل التكامل النقدي ( EUM ) ، كما وردت في تقرير لجنة ديلور ( Delors committee ) في أبريل 1989 التي حددت ثلاث مراحل للتوصل إلى الوحدة النقدية ، و هذه المراحل هي كالتالي : [10]

1- المرحلة الأولى:

تبدأ في يوليو 1990، و تتضمن تكملة التعاون و التنسيق الاقتصادي للتوصل إلى السوق المشتركة بنهاية عام 1992، و المشاركة الكاملة لجميع عملات دول المجموعة في النطاق-الهامش-الضيق لآية سعر الصرف.

2- المرحلة الثانية:

و هي المرحلة التي تبدأ في عام 1994، و يتم فيها إنشاء أو تكوين نظام البنوك المركزية ألأوروبية (ESCB)، و التي سيتم فيها التحول من مجرد التنسيق بين السياسات النقدية المستقلة لكل دولة من دول المجموعة إلى إيجاد صيغة لتطبيق سياسة نقدية موحدة، و كذلك الاستمرار في العمل على تقليص هوامش تحرك أسعار الصرف بين عملات دول المجموعة، و من المقرر أن تتبع دول المجموعة سياسات اقتصادية تهدف إلى تحقيق التقارب بين معدلات الأداء الاقتصادي، و خصوصاً فيما يتعلق بالمؤشرات الأربعة و هي:

- معدل التضخم، نسبة عجز الموازنة العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي، نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي

الإجمالي و أسعار الفائدة طويلة الأجل.

3- المرحلة الثالثة:

خطط لهذه المرحلة أن تتم في قترة تتراوح ما بين 1998 و بداية 1999 على أكثر تقدير يتم فيها تحديد أسعار صرف دول المجموعة بشكل نهائي غير قابل للتغير، على أن يتم التعامل بعد ذلك بعملة واحدة هي (اليورو)، و من الجدير بالذكر أن المملكة المتحدة قد احتفظت لنفسها بحق عدم الانضمام إلى هذه المرحلة (الوحدة النقدية الكاملة).

- أما الفترة ما بين 1999 و 2002 تكون فترة انتقالية يتم التعامل فيها بال(EURO)، بجانب العملات الوطنية مع الانسحاب التدريجي لتلك العملات لصالح تعميم استخدام اليورو(EURO) [11]

3- شروط الانضمام للوحدة النقدية :

حددت معاهدة ماستريخت معايير يجب احترامها في آن واحد من طرف الدول الراغبة في الانتقال الى العملة الموحدة ,هذه المعايير تدعى بمعايير التقارب والتي هي :[12]

3-1- استقرار أسعار الصرف :

يجب ان تكون تقلبات العملة في خلال السنتين الماضيتين على الأقل على نطاق التقلبات الطبيعية لنظم الصرف الأوروبي

-2- استقرار الأسعار : 3

يجب أن لا يتعدى معدل التضخم 1.5 عن متوسط معدلات التضخم لأقل ثلاث دول أعضاء تضخما.

3 -3-عجز الموازنة :

يجب ألا يزيد معدل العجز الموازني عن 3 % من الناتج الإجمالي المحلي .

-4-الدين العام : 3

يجب إلا يزيد حجم الدين العام عن 60% من الناتج المحلي الإجمالي .

-5-أسعار الفائدة الطويلة الأجل:3

يجب ألا تتجاوز2% عن متوسط معدل أسعار الفائدة الطويلة الأجل في ثلاث دول التي تشهد أقل معدلات التضخم.

لقد استفاءت أحد عشر دولة هده المعايير وهي:

النمسا, بلجيكا,فنلندا,فرنسا,ألمانيا,ايرلندا,ايطاليا,لكسمبو رغ,اسبانيا,هولندا,البرتغال...

و ذلك في ماي 1998 .أما اليونان فقد استطاعت اللحاق بالمجموعة في أول يناير 2002,حيث أصبح الاتحاد النقدي الأوربي يمارس عمله بطرحه لليورو,أما باقي دول الاتحاد الأوربي التي ظلت خارج تلك الكتلة النقدية فهي (الدنمارك,السويد,المملكة المتحدة [13])

فوائد العملة الأوربية الموحدة: -4

للعملة الأوروبية الموحدة عدة مزايا و فوائد بالنسبة للاقتصاد الأوروبي وهي كالتالي :[14]

ا- فوائد داخلية :

تساهم العملة الأوروبية الموحدة في إكمال السوق الموحد الداخلي ولا يمكن إن نتصور وجود سوق واحد دون وجود عملة واحدة ,الشيء الذي يؤكد ضرورة وجود عملة أوروبية موحدة لأنها تسمح للأوروبيين من الاستفادة من فوائد السوق الموحد .كما تعتبر أداة فعالة للتسيير في الدول الأعضاء ,وذالك من خلال محاربة التضخم ,وضبط عجز الموازنة والمديونية العامة والتحكم في أسعار الفائدة وهي تسمح بخلق محيط اقتصادي مستقر وملائم وتفادي سلبيات ومخاطر تقلبات أسعار الصرف بين عملات الدول الأعضاء وتأثيراتها على الأداء الاقتصادي للدول الأعضاء .

ب-فوائد خارجية :

- تسمح العملة الأوروبية الموحدة في تحقيق استقرار العلاقات الاقتصادية والنقدية الدولية

-تعتبر العملة الأوروبية الموحدة من وسائل التسوية التجارية الدولية وعملة صعبة يحتفظ بها في محافظ الاحتياطات الرسمية في البنوك المركزية .

- على المستوى العالمي تسمح العملة الأوروبية الموحدة بان يتصدر الاتحاد الأوروبي اكبر القوى التجارية.

الديمقراطية


 طرح مسألة الديمقراطية في إطار جدلية الداخل والخارج تضيع أحيانا الفروق الجوهرية بين عملية بناء وتأسيس الديمقراطية وعملية إعادة انتاجها لذاتها بعد أن تأسست واصبحت قادرة على ذلك. وما يساهم في طمس الفروق أن الديمقراطية تصلنا جاهزة بعد تطور مئات السنين، مما يشجع البعض على التوهم بأنه ليس بحاجة الى تأسيسها ولا حتى الى تأسيس العناصر المكونة والآليات الاقتصادية اللازمة لاعادة انتاجها يوميا. وكأن الانتقال الى الموقف الديمقراطي هو انتقال من خيار استهلاكي الى خيار استهلاكي آخر، الى بضاعة أخرى رائجة، لا تأسيس ولا اعادة انتاج. ومن ناحية أخرى فإن ورود الديمقراطية الى المنطقة العربية جاهزة يعني أنه لا يمكن تخيل العودة من جديد على بداياتها بحق اقتراع غير معمم الا لفئة صغيرة مثلا ثم تعميمها تدريجيا، كما حصل في بريطانيا وفي فرنسا وغيرهما عبر تاريخ ديمقراطيات تلك البلدان. لا أحد يستطيع اليوم تخيل ديمقراطية دون حق اقتراع عام يمارسه حتى غير الديمقراطيين ودون حقوق ليبرالية وحريات تستفيد منها حتى قوى غير ليبرالية. ولكن وصول الديمقراطية الينا جاهزة لا يبرر لدعاة الديمقراطية التعامل معها كأنها “فاست فود” أو تقليعة، كما لا يصح الاعتقاد أنه لا توجد لدينا تجرية نبني عليها، فلا الليبرالية العربية بين الحربين العالميتين كلها أخطاء وارتباط بالاستعمار، ولا القومية الراديكالية في الخمسينات والستينات كلها أخطاء. فقد احتوت بعض عناصر الديمقراطية في ظل أنظمة غير ديمقراطية ومنها اشراك الجماهير في السياسة وتعميم التعليم، وتعميم توقع المساواة والعدالة الاجتماعية. وقد قادت الأخير في ظل عدم تلبيته إلى حركات غير ديمقراطية في كثير من الحالات التي تحول فيها المجتمع الجماهيري الى ترييف مدينة لم تستوعبه. ولكن الحركات الديمقراطية الحالية تستطيع ان تستند ايضا الى هذه القيم المتأصلة جماهيريا بفعل تأثير تيارات الخمسينات والستينات. فهذه تقاليد وتجارب راكمها مناضلون كانت لديهم نية حسنة على الاقل، وآمنوا فعلا بالمساواة والحرية وإشراك الجماهير ولكنهم انتهوا الى بناء أنظمة غير ديمقراطية. ولا شك أن عملية اعادة انتاج الديمقراطية في البلدان المتطورة وتعميمها من النخبة الى عامة الناس واختلاطها بالإعلام والثقافة الجماهيرية وثورة الاتصالات قد انتجت ظواهر من التعفن السياسي تلتها مظاهر التعب من السياسة والعزوف عنها وبحث الشباب عن معنى لحياتهم خارج اطار الحيز السياسي. كما ارتبطت صورة العمل السياسي بالتآمر الحزبي والوظائف والانتهازية النفعية وتغير السياسات والمبادئ قبل الانتخابات وبعدها وقبل ولوج الائتلافات وبعدها، وتحويل الانتخابات الى كرنفال والبرلمان الى سيرك، والمشهدية وحب الظهور والمكاوعة، (التسابق على الكاميرا وعلى الصف الأول بالدفع بالاكواع) والتنافس دون قواعد أخلاقية ضابطة، واستئصال العمود الفقري الأخلاقي من شخصية السياسي بعملية جراحية تجرى عشية ولوج عالم السياسة، والفصل بين الأخلاق والسياسة، وبين الأخلاق الخاصة والعامة...الخ. ويعرف هذه الظواهر ويعاني منها كل من عمل في السياسة البرلمانية وحافظ على حد أدنى من الحساسية، كما يعرفها كل من راقب العلاقة البورنوغرافية القائمة بين الإعلام التجاري والسياسة والتواطؤ بينهما.. وكلها ظواهر من الديمقراطية المتأخرة القادرة على الاستمرار دون ديمقراطيين لأنها ترسخت كتقاليد ومؤسسات تستوعب غير الديمقراطيين من صغار السياسيين وممتهني السياسة، وبإمكانها تحمل المطابقة بين الواقعي والانتهازي، ومرادفة النفعية بالانتفاع، وبوسعها تحمل اعتبار ال”ريال بوليتيك” نوعا من قابلية السياسي أن يسير على جثث ( مادية أو معنوية) نحو هدفه دون أن يرمش له جفن، واعتبارها موهبة وربما حتى فضيلة وميزة، كما أن بامكانها تحمل اعتبار اخضاع اي قضية مهما كان شأنها لحب الظهور موهبة إعلامية. لم تكن هذه أخلاق ولا مرحلة ولا نفسية الديمقراطيين المؤسسين أمثال توماس جفرسون أو بنجامين فرانكلين أو دانتون او مازيني او لويس بلانك او قادة الشارتيين وغيرهم من الديمقراطيين الراديكاليين الذين شقوا طريق الديمقراطيات الحديثة كحكم الأغلبية ولو كانت غير ليبرالية، ولا كانت هذه أخلاق الليبراليين الاوائل الذين لم يهتموا بحكم الأغلبية بقدر ما اهتموا بالدفاع عن قيم الحرية والملكية الخاصة، ولو في إطار حكم الأقلية. نقول ذلك دون تقديس لهم فقد كانوا بشرا يؤمنون بقيم تبدو لنا اليوم رجعية ومحافظة، كما أن بعضهم كان يناقض مبادئه في حياته الشخصية، وتكشف الأبحاث عن تناقضات هائلة في سلوكهم. ولكنهم كانوا جميعا أصحاب رؤية راديكالية لا تشتق قيمها من موازين القوى المحلية ولا العالمية، ولا تتبنى الديمقراطية كشعار دولي لان المصلحة باتت تقتضي ذلك. نحن نتحدث عن اناس رأوا في إصلاح النظام السياسي جزءاً من تصورهم للعدل والإنصاف في المجتمع. وكانوا سيبدون غير واقعيين، بل رومانسيين في ايامنا التي يتخذ فيها الديمقراطي شكل “اليابيز”. وبهذا المعنى نحن نتحدث عن ثوريين في بنيتهم الأخلاقية، وليس عن سياسيين من النوع الذي ينتقل الى الموقف الديمقراطي لانه يرى في ذلك مصلحة آنية دون أن يؤمن للحظة بالموقف الديمقراطي في إطار نضال من اجل مجتمع اكثر إنصافا وأكثر عقلانية، ودون أن يؤمن بالمساواة بين المواطنين كقيمة. قد تنتهي الديمقراطيات الى ان تصبح الديمقراطية كفكرة مسألة مؤسسات قائمة وراسخة تتم إعادة انتاجها، ونخبة ديمقراطية فعلا تحافظ عليها من طوفان الثقافة الجماهيرية غير الديمقراطية، وقد تتحمل الديمقراطية في مراحلها المتأخرة مواقف غير ديمقراطية عند السياسيين الا بالمعنى الانتهازي وذلك ضمن مؤسسات راسخة وبوجود نخبة ديمقراطية في السياسة والجامعات وفي غابة إعلامية لا تمت لقيم الديمقراطية بصلة. ولكني لا اعتقد انه يمكن البدء ببناء ديمقراطية بهذه النفسيات التي انتهت اليها الديمقراطية المتأخرة، فما كان بإمكان سياسيي اليوم الانتهازيين في الغرب من أمثال بوش الى أصغر مهني حزبي وكاتب خطابات بناء أي ديمقراطية. وبهذا المعنى فإن نموذج هوجو شافيز وحسن نصرالله ولولا في البرازيل هذه الايام يعد مثلا اقرب في بنيته الأخلاقية، وليس في افكاره او أهدافه، الى ثورية الديمقراطيين المؤسسين من سياسيين يناط بهم أمريكيا أو يريد أن تناط بهم مسألة بناء الديمقراطية في الشرق الاوسط الكبير من أمثال إياد علاوي او الجلبي أو غيرهما. ارى قلة من الديمقراطيين وشحة في النفسيات الإصلاحية في الحركة التي تتكيف حاليا مع الضغط الامريكي للحفاظ على حكم نفس النخب في المنطقة. والمسألة ليست مسألة كاريزما إطلاقا. الكاريزما فعلا غير موجودة، ولكن ليس نقصها هو المثير. فقد رأينا في هذه المنطقة وغيرها من مناطق العالم الثالث كارزميين كثيري الألوان وشديدي الغرابة جذبوا الصحافيين والصحافيات لمقابلات مثيرة ولكنهم لم يبقوا حجرا على حجر في مجتمعاتهم ولا حتى مما بناه الاستعمار فيها من مظاهر عمرانية. لا حاجة لكاريزما الزعماء الغريبي الأطوار. المزعج وجوديا هو غياب الرؤية، وغياب التطلع إلى مجتمع أكثر عدلا، وغياب الحماس للعدل والإنصاف الذي ميز دعاة بناء الديمقراطية حيث لم تكن موجودة. يبدأ عندنا البعض ديمقراطيته بالانحلال الذي يميز سياسيي الصفقات والائتلافات الحزبية التي تميز مراحل متأخرة من الديمقراطية. لا يعقل ان يتم في مرحلة التأسيس التعامل مع الديمقراطية في مصطلحات جاهزة من خطابات جورج بوش وكتبتها الأصوليين، وأن تستهلك كما يستهلك الهامبورجر او الكوكا كولا، وان يسمى المستهلك المجتهد في جمع الكوبونات والمقارنة بين محل مكدونالدز وآخر وبين “مول” وآخر فتح حديثا ديمقراطيا. ما وجه الديمقراطية في توجيه النصائح للفلسطينيين للتخلي عن حقوقهم؟ من ينصح بذلك هو ليس نمط السياسيين الذي يؤسس للديمقراطية. يقف الديمقراطي المؤسس عند الحقوق ويتمسك بها، وينتفض ضد الظلم، ويرفض فرض القوة بدل إحقاق الحق، ويرى أصلا تناقضا أخلاقيا بين الحق والقوة، كما رأته هنا ارندت مثلا في أطروحتها عن العنف. ليس الديمقراطي مجرد سياسي مهني في إطار ديمقراطي يبحث عن مصلحته أو مصلحة حزبه بموجب موازين القوى القائمة، فيؤيد قرار الأغلبية “الإسرائيلية” الديمقراطية مثلا بشأن مستقبل الفلسطينيين، أو يؤيد حق المرأة بالمساواة بما في ذلك حقها في قيادة طائرة تقصف ايضا الفلسطينيين مثل الرجل. هذه ديمقراطية شكلا، ولكنها تقوم على قيم تكريس قمع واحتلال شعب آخر وتكريس القيم العسكرية التي تكرس دونية المرأة. ليس الديمقراطي هو من يعتبر كلام شارون الرافض للانسحاب ولتنفيذ قرارات مجلس الأمن خطوة الى الامام لانه يتضمن فك ارتباط في قطاع غزة في حين ليس لديه كلمة ايجابية يقولها عن دولة درست الوضع في دولة مجاورة في سياقه الدولي الجديد وقررت سحب قواتها بالكامل من هناك رغم أن قواتها موجودة ضمن اتفاق بين دولتين سياديتين. الديمقراطي في مرحلة التأسيس هو فرد يؤمن بالقيم الديمقراطية ولا يعتبرها حصيلة تبدل مصلحة أو مزاج القوي في عالمنا. يقول الامريكي الذي تحول من راعي بقر الى راعي الديمقراطية في خطابه الأخير يوم 8 مارس/آذار امام جامعة الأمن القومي “فورت ليسلي ماكنير” ان الانتخابات البلدية في السعودية هي مبشر بالديمقراطية وخطوة الى الامام، كما يرى أن الانتخابات الفلسطينية خطوة للتحرر الفلسطيني من “ارث العنف والفساد” الفلسطيني، وليس من الاحتلال “الاسرائيلي”، ويرى ايضا ان انتفاضة اللبنانيين ضد الوجود السوري هي انتفاضة من أجل الديمقراطية تندرج ضمن انجازات الحرب الأمريكية على الإرهاب التي خصص الخطاب لتعدادها. هل لاحظت عزيزي القارئ ان بوش فطن في خطاب الأمس بقدرة قادر أن يدرج في عملية ضد قواعد المارينز في بيروت من العام 1983 وذكرها بنسق واحد مع عملية 11سبتمبر/ايلول بعد ذلك بسبعة عشر عاما وبعمليات التفجير ضد السفارات الامريكية في افريقيا؟ نقطة للتفكير. وكنا قبل سنوات نذكره بلبنان الذي لم يذكره في اي من خطاباته ولا حتى كمثل على احتمالات وآفاق وبراعم الديمقراطية المبشرة في العالم العربي. فجأة تذكر بوش لبنان بين عملية مقاومة ضد المارينز اعتبرها من نوع عمليات القاعدة واحتجاج لبناني مشروع اعتبر من نوع الثورات المخملية. لقد قص بوش في خطابه تناقضات لبنان الحيوية واختلافاته وتنوعه على مقاسه واختزلها الى النموذج الامريكي في الخير والشر. ولكن أليس على اي ديمقراطي عربي أن يذكره ان مظاهرة بحجم مظاهرة القوى الوطنية اللبنانية في نفس يوم خطابه تتجمع وتتفرق دون فوضى مئات الأمتار من موقع مظاهرة مناقضة وتمر دون عنف ودون تدخل بوليس وفي مرحلة ازمة حكم هي دليل على انه في هذا البلد تتوفر ثقافة ديمقراطية وجدت قبل ان يتشرف هو بذكر لبنان في خطاباته بهذا الشكل التخريبي الذي يؤسس لفتنة؟ انها وظيفة الديمقراطيين العرب ان يذكروه بذلك. عكست تظاهرات المعارضة والقوى الوطنية اللبنانية ثقافة ديمقراطية. ولا اعتقد ان مظاهرات بهذا الحجم، وفي مثل هذا الاستقطاب السياسي والاجتماعي، كانت سوف تمر بسلام ومن دون غاز مسيل للدموع وجرحى وقتلى في “اسرائيل” الديمقراطية. لم تنبت الثقافة الديمقراطية اللبنانية من بذرة بذرها تدخل أمريكا في العراق، ولا من خطاب بوش، ولا بعد القرار ،1559 بل كانت موجودة يعيبها التوازن الطائفي والسلالات العائلية وضعف المواطنة مفهوما وممارسة، وتدخل المخابرات في الحياة السياسية وغير السياسية بتواطؤ من قبل تنوع الطوائف والزعامات والسلالات غير الديمقراطي، والتعدد غير الديمقراطي القائم، واستسهال البحث عن عملاء بدل حلفاء أحيانا. وقد استفادت المعارضة اللبنانية من تقاليد ديمقراطية قائمة في تظاهراتها، ولم تؤسس لها كما حصل في ربيع براغ أو انتفاضات جورجيا واوكرانيا وغيرها، كما استفاد منها مؤيدو المقاومة والتحالف مع سوريا في لبنان في تظاهرتهم الجبارة. من الطبيعي الا يذكر بوش ذلك لانه ليس ديمقراطيا، رغم أنه قرأ كتاب ناتان (اناتولي) شيرانسكي واصبح أحد مصادره عن الديمقراطية، بل هو يستخدم الديمقراطية كسياسة هيمنة دولة عظمى. ولكن الا يجدر بالديمقراطيين العرب تذكيره بهذه الوقائع والحقائق اللبنانية؟ تفترض هذه الإرادة رغبة الديمقراطيين العرب بالاستناد الى شرعية جماهيرية، كما تفترض رغبة بدمقرطة الثقافة السياسية الشعبية بواسطة تقريب هم الديمقراطية من هموم الجماهير. ولكن النفسيات المنتشرة تستند الى موازين القوى الدولية والأجندة الأمريكية، وتأمل أن تنعكس هذه الأجندة على ساحتها المحلية دون ان يكون لديها مشروع ديمقراطي متعلق بمستقبل البلد، ودون رؤية شاملة تحررية تشمل فيما تشمل التمسك بمبادئ العدل والإنصاف. وخلافا لما يعتقد ديمقراطيونا الجدد لم يكن الديمقراطيون الأوائل برجوازيين يسعون من أجل الربح ولا كانوا سياسيين فاسدين يبحثون عن رافعة جديدة نحو التحكم بمقدرات المجتمع. تستطيع ايران أن تصرخ انه ليس لديها سلاح نووي ولا تنوي انتاجه ويرد العالم مع امريكا أنها تريد انتاجه، ويستطيع كيم يونج ايل المجنون المنحرف السفاح ان يصرخ ويقسم أغلظ الايمان مؤكدا أن لديه سلاحاً نووياً، وان تجزره استراليا باسم امريكا بأنه كاذب ولا يملك سلاحا نوويا. ويستطيع الرئيس السوري ان يؤكد ان قرار 1559 هو قرار سيئ ومخالف لميثاق الامم المتحدة اذا جاء بدون تهديد للسلام والامن الدوليين كما ان اياً من الأطراف صاحبة الشأن لم يتوجه طالبا مساعدة مجلس الامن، وانه مع ذلك لا يريد تضييع وقت احد في مناقشة مدى انصاف هذا القرار وعدالته، لأنه لا توجد عدالة ولا يوجد قانون دولي فعلا في عالمنا، وأنه سوف ينفذ الشق المتعلق بسوريا منه رغم ذلك كله. ولا ترد أمريكا ولا حتى بمديح للبراجماتية او الواقعية التي ارتاح لها شعبه على الاقل، ناهيك عن تجاوب المجتمع اللبناني مع هذا الأسلوب، بل تؤكد أمريكا انها انصاف حلول ومناورات سورية. ولا تقول حتى انها خطوة ايجابية تنتظر المزيد. مجرد كلام عدائي عدواني. فسوريا مستهدفة “إسرائيليا” وبالتالي أمريكيا. وحتى لو دخلت ديرا فرانسيسكانيا فسوف يلحقها شارون وبوش مطالبا ان تلغي نفسها على كرسي الاعتراف. ويستطيع شارون، وهو مجرم حرب معروف، ان يقول بالصوت والصورة انه لا يريد، لا يريد، لا يريد تنفيذ قرارات مجلس الامن بشأن احتلال “اسرائيل” لأراض سورية وتستطيع امريكا أن ترد على الرفض بأجمل منه وبأن تصريحه مع ذلك يشكل تقدما الخ. هكذا يبدو الجانب المظلم من عالم مارثا ستيوارت التي تنشغل امريكا بها حاليا، عالم الاستهلاك الإعلامي وعالم جورج بوش ورامسفيلد وكوندوليزا رايس وبقية البلطجيين. حسنا، ولكن صوت الديمقراطي العربي المؤسس هو الذي يجب ان يبرز في مثل هذه الحالة كصوت العدالة، صوت رفض منطق قرار 1559. يطالب وزير عربي سوريا من تل ابيب بتنفيذ القرار 1559 فورا وبدون تأجيل. من تل ابيب التي ترفض فورا ومن دون تأجيل تنفيذ اي من قرارات مجلس الامن، وتحتل فورا وبدون تأجيل أراضي عربية وتنكل بشعب عربي وتبني جدارا خلافا لقرارات المحكمة الدولية. ولا توحد البلد كما فعل الجيش السوري بل تقسمها، ولا تبني او تحمي عملية بناء بل تهدم ما كان مبنيا في فلسطين حتى قدومها. فأين الصوت العربي الديمقراطي الذي يعترض بقوة على هذا الكلام في هذا الموقع. يفترض الا يترك الديمقراطي معارضة مداهنة “اسرائيل” الشارونية ورفض هذه الانتقائية في تنفيذ أضعف قرارات مجلس الأمن وأقلها شرعية، للاصوليين غير الديمقراطيين. مثلما لا يفترض ان يعتبر الديمقراطي القضايا الوطنية مجرد شعارات اذا اراد ان يبني ديمقراطية وطنية ذات شرعية شعبية. هنالك عطب بنيوي يجعل الديمقراطية العربية تبدو كأنها مستوردة كنوع من “الفاست فود” لابناء البرجوازية الوسطى واليابيز من كافة الانواع الذين يعتقدون بكل التواضع المطلوب أنهم يعرفون “كيف يدار العالم” و”كيف تسير الامور” أو “كيف الدنيا ماشية” بمنطق ال “سي اي اوCEO “ ولو سألهم شخص متواضع ان يفسروا له سر ادارة العالم لقالوا كلاما لا يقوله ديمقراطي، من نوع الدنيا مصالح ويجب ان يبحث كل حاكم عن مصلحته. ولكنهم لم يبنوا ولن يبنوا ديمقراطية من اي نوع. استطاعوا سابقا التعايش مع اي ديكتاتورية ترضى عنهم وعن مسار اعمالهم، وترضى عنها أمريكا حاليا ولاحقا يستطيعون التعايش مع ديكور وإكسسوار إصلاحي. ويستطيعون التعايش مع أي ظلم اجتماعي ومع تعددية طائفية وتوازنات طائفية ودون مواطنة حقيقية. هكذا تم عن قصد تسويق تحرك مهم فعلا في الشارع اللبناني كأنه ثورة مخملية وتحرك آخر أكبر منه ولا يقل عنه مخملية تم تجاهله في خطاب بوش كأنه لم يكن. اين الديمقراطي العربي في هذه الحالة من هذا التقسيم النوعي للأكثرية كأقلية وللأقلية كأكثرية؟ ثم لا يستطيع الديمقراطي العربي ان يصمت بتواطئ على جريمة اعتبار الاكثريات هي الاكثريات الطائفية والأقليات هي الاقليات الطائفية او العرقية او المذهبية بتجاهل تام للمواقف او الأفكار او البرامج المتطرقة لمصلحة ومستقبل المجتمع ككل وبتركيز على هوية السياسي وانتمائه. ومع ذلك يسود الصمت. ويتم الاستئساد والاستقواء بالموقف الامريكي. وتكفي وجهة دعم الامريكان لتحديد هوية القوى الآخذة بالافول تاريخيا، القوى التي تؤمن بالشعارات الرنانة والطنانة التي عافها الناس من جهة، وهوية القوى الصاعدة الشبابية الربيعية المخملية، وهذه طبعا ليست شعارات رنانة ولا طنانة. أما مسألة مدى ديمقراطية أي من المواقف فتتحول الى مسألة جانبية مقابل المشهد الذي انفعلت منه حتى “اسرائيل” التي لا تصدق ان شيئا كهذا ممكن في دولة عربية. وما ان كمل المشهد بجماهير مسالمة ولكن بأعداد أكبر وتنوع طبقي أكبر خلف شعارات مناهضة ل “اسرائيل” وأمريكا حتى تم تجاهله، وأطلقت عليه تسميات أخرى من نوع تظاهرة الموالين لسوريا، تظاهرة حزب الله، لا ربيع ولا مخمل ولا خمائل. الطريق الى الديمقراطية تمر من هنا، من الدفاع عن هؤلاء المتظاهرين في وجه بوش الذي يصر على اعتبارهم استمرارا للعملية ضد المارينز. الطريق الى الديمقراطية تمر عبر التلاقي المخملي الربيعي مع هموم الناس من مختلف الطبقات، ومن ضمنها الهم الوطني. لم يكن الشاعر العربي القديم يبالغ أو يخطىء التقدير وهو يعكس قيمة الحرية والكرامة في البيت المشهور: ماء الحياة بذلة كجهنمٍ وجهنم بالعز أطيب منزلِ لقد كان الشاعر بذلك يرفض العبودية والخضوع للقهر أياً كان مصدره ووصل به الاعتزاز بكرامته والتمسك بحريته الى درجة يرفض معها الحياة ذاتها والقبول بالنار إن كان يترتب على الحياة إذلال للنفس وإخضاعها لما لا يليق، ولأن حريته فوق كل اعتبار. وما من شك في أن ذلك كان هو شأن الإنسان العربي في قديم الزمان وهو ما منحه القدرة على مقاومة الأعداء والغزاة ومكنه من الانتصار على كل ما من شأنه أن يضعه تحت ظروف من المذلة والهوان. وأزعم أن العربي رغم قسوة الأيام واشتداد المواجهات وتنوع الأعداء لا يزال هو ذلك الذي صوره الشاعر القديم إنساناً للتحدي ورفض الاستسلام والخنوع، ومقاومة كل الاغراءات التي تفقده حريته وتقيد آراءه حتى لو كان ذلك التقييد بسلاسل من ذهب. وفي هذا الصدد فإن العربي الذي يؤمن بالحرية ويشتاق الى الديمقراطية وينتظر يوم تحققها بكل طاقات الحنين التي تكونت عبر القرون الأخيرة، لن يقبل تحت كل الظروف أن يبيع حريته وكرامته بأوهام وأحلام من صنع الآخر المراوغ والتي لا ولن يتحقق منها سوى السراب. وهذا هو سبب عزوف العربي التام وتقززه الشامل من ديمقراطية يحملها الغزاة على الدبابات وفي رؤوس الصواريخ! إن صوت ذلك الشاعر القديم الذي يفضل الموت على الحياة الذليلة لم يكن سوى صوت الحرية والتمسك بقيم الكرامة، وما أظن أن العربي المعاصر على استعداد لأن يتخلى ولو ليوم واحد عن تلك القيم أو يفرط بكرامته مقابل إغراءات يكذبها الواقع وتصطدم أقوالها مع أفعالها. كما أن هذا العربي الذي ترسخت في وجدانه معاني الحرية في أسمى معانيها لن يستجيب لدعاة العبودية الجدد أولئك الذين لا يترددون عن بيع أنفسهم وأوطانهم وتاريخهم لتحقيق مصلحة ذاتية آنية والاندفاع وراء شعارات يطرحها العدو ويراهن على تحقيقها خدمة لمصالحه هو وتمكيناً لأهدافه المتمثلة في السيطرة والهيمنة السياسية والاقتصادية. العربي لن يحتاج للبقاء في جهنم حفاظاً على كرامته، بل يحتاج فقط الى مقاومة الأجنبي الذي يسعى الى استعباده تحت مسميات ودعاوى تثير السخرية والاحتقار. أكبر أخطاء أميركا في تطور (أو تحلّل) ما أسمته مبادرة إصلاح الشرق الأوسط ليس أنها حاولت ركوب موجة التوق الديمقراطي لدى الشعوب العربية, فذلك كان سيرسيها على شاطئ صلب, بل إنها فقدت بوصلتها الإستراتيجية تماماً إلى حد أن ما تظن أنه شطارة ومهارة لعب على الحبلين أدى إلى أن تدخل حلقة ردود الفعل لأفعال لا تفهم كنهها لأنها لا تفهم فاعليها. جذور هذا الخطأ الأميركي الإستراتيجي بدأت قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً مع هنري كيسنجر ونظريته القائلة إن أميركا لا تحتاج لسياسة خارجية, ولا لدبلوماسية, فقط "لإدارة أزمات" !! وبالفعل لم يعد لأميركا منذ ذلك الحين سياسة خارجية. وإذا كان ما روج لنظرية كيسنجر لدى الأميركان (فيما يتعلق بالعالم العربي موضوع مقالتنا هذه) هو ما بدا وكأنه إنجاز حققه كيسنجر في اختراق مصر لصالح إسرائيل, فإن هذا, يعتبر أولاً: خدمة سياسية لإسرائيل وليس لأميركا التي فقدت كامل الشارع العربي (أو ما كان تبقى لديها منه). وثانياً: ما اخترقه كيسنجر كان حالة فراغ سياسي في مصر بعد رحيل زعيمها التاريخي عبد الناصر فجأة. والفراغ لم ينشأ فقط لأن أنور السادات أودع في السجن, حرفيا ومجازياً, كل التيارات السياسية وكل قيادات الرأي بدءاً بالسياسيين وانتهاء بالشعراء والفنانين, بل لأن السادات نفسه لم يشكل بديلاً سياسياً لكل هذا الذي صادره ولا لأي جزء منه, وإنما مثل حالة "خواء" سياسي. والطريف أن كيسنجر نفسه يعرف هذا عن السادات وهو ما استثمره ليستدرجه إلى طريق لا عودة له بعدها إلى مصر والأمة العربية. حينها توقعنا مصير السادات المحتوم, دون أن نزعم أننا نقرأ الأبراج أو يُكشف لنا الغيب, كما فعل المتنبئون باغتيالات مشابهة هذا العام. ومعنى يقيننا هذا الذي لم يخطئ, هو أن الذين قتلوا السادات ليسوا الإسلاميين المتطرفين, كل ما حصل أن هؤلاء سبقوا غيرهم إلى هذا. فتصفية السادات كانت الخطوة التالية المحتومة, سواء أدرك ذلك أم لم يدركه كيسنجر, صاحب نظرية "الخطوة خطوة"!! وقد يكون اغتيال السادات أول "فعل" شعبي عربي في اتجاه التغيير, والأرجح أنه لم يفهم على أنه كذلك من قبل الساسة الأميركان, وفي مقدمتهم كيسنجر مهندس كامل المرحلة حتى احتلال العراق, بل تم إدراجه في قائمة التعميمات الساذجة المسماة "التطرف والإرهاب", ذات القائمة التي أدرج فيها بن لادن والزرقاوي, وانتهى بهما الأمر كأعداء أنداد "للقوة العظمى" و"للقطب الأوحد" في عقر داره وفي قلب مصالحه!!! كل هذا لأن أميركا لا تقرأ الفعل في سياقه, في إطار فهم الفاعل وفهم التاريخ. وقرار أميركا بأن تتوقف عن القراءة جاء يوم تبنيها نظرية كيسنجر بأن أميركا ليست بحاجة لسياسة خارجية. ولكي نفهم لماذا يعتقد كيسنجر أن هذا ينطبق على عالمنا العربي (هو أول من أسماه شرق أوسط, ومنه تبلور مشروع بيريز بشأنه وجاءت مبادرة بوش لإصلاحه), علينا أن نتذكر أن كيسنجر يعتقد أن السياسة في العالم العربي هي سوق كل شيء فيه قابل للبيع, وبأن هنالك بائعا واحدا هو "شيخ القبيلة" الذي إن تمنع فلأجل المساومة, وهو يبيع في النهاية!! وهكذا باع أنور السادات, ولكنه دفع الثمن ولم يقبضه. فالسادات, مثل أميركا التي سار في ركابها خطوة خطوة, أصر على ألا يفهم مدلول الفعل الذي لا يتأتى إلا من فهم الفاعلين وفهم التاريخ, فكانت كلماته الأخيرة: مش معقول!! وعودة إلى شرق أوسط كيسنجر وبيريز (في تصور أميركا), أو العالم العربي (في رؤيتنا نحن), وما قيل في الإعلام الرسمي من أن الأنظمة العربية رفضت مبادرة بوش لإصلاحه, بينما قال الإعلام الشعبي إن الأنظمة خضعت للضغوط المتضمنة فيها. وكلا الأمرين صحيح, فغالبية الأنظمة لا تريد الديمقراطية والشفافية والإصلاح لأنها تعتقد أن هذا في غير مصلحتها, وغالبيتها, إن لم نقل كلها, تخضع لأميركا بتفاوت يتناسب عكسياً مع شرعيتها أو قبولها شعبياً داخل أقطارها. والضغط على الأنظمة جزء من أهداف المبادرة!! ولكي تخرج الأنظمة العربية من مأزق المبادرة مع ضمان إبقاء شيء من ماء الوجه لأميركا عند الشعوب العربية, تم الاتفاق على أن يعلن الطرفان وجوب (حسب النص العربي) وأفضلية (حسب النص الأميركي) أن تكون مبادرة الإصلاح نابعة من الداخل وليست مفروضة من الخارج. ولا يهمنا هنا ما جرى من تعيين لنساء رجال الحكم في مواقع بالحكم, ولا ما عقد من مؤتمرات تحت رعاية رجال الحكم ونسائهم.. ما يعنينا هو هذا التغيير الذي أُدخل على تعريف الإصلاح السياسي والذي استبدل كلمة "الديمقراطية" بعبارة "الحكم الرشيد" أو "الحكم الصالح"!! وهذا إن بدا وكأنه مقتل طموحات الشعوب العربية للديمقراطية, مرحلياً, فإنه في الحقيقة مقتل مصالح أميركا في المنطقة "إستراتيجياً " وعلى المدى البعيد!! والسبب أن أميركا لا تفهم الفاعلين ولا تقرأ التاريخ. "فللحكم الصالح" في التاريخ مفهوم بات غائبا عن أدبيات السياسة في الغرب منذ قرون, فهذا التعبير بات جزءاً من تاريخها القديم السابق لكل أشكال الديمقراطية الغربية منذ بواكير نشوئها وحتى تبلورها في أشكالها الحالية. بل إن تعبير "الحكم الصالح" لا نجده عندهم إلا في أدب الأطفال, في حكايا الملك الصالح والملكة الشريرة ومرآتها الناطقة والأميرة المسحورة النائمة بانتظار الأمير المخلّص.. وينتهي الأطفال إلى اكتشاف أنه مجرد خيال لاعلاقة له لا بالواقع ولا بالتاريخ, ويأسفون على الكذبة الحلوة التي لم يعد بالإمكان تصديقها, تماما كما يأسفون على سانتا كلوز!! أما في التاريخ العربي, فإن الماضي متصل بالحاضر على امتداد أكثر من أربعة عشر قرناً. فمن الخليفة العادل عمر الفاروق, إلى عمر بن عبد العزيز(الذي يقرن بابن الخطاب رغم الفروق الجذرية!!) إلى المعتصم (الذي لبى نداء امرأة واحدة على حدود بلاده وسيّر لها الجيوش وقهر جحافل الروم!!) إلى هارون الرشيد (الذي بدت أوروبا بدائية في ظل الحضارة التي أوصل إليها إمبراطوريته العربية) إلى صلاح الدين (محرر بلاد العرب من الغزاة التتار) إلى محمد علي (صاحب رسالة التنوير وأبي النهضة العربية) إلى عبد الناصر(رمز الوحدة العربية ونظافة اليد في الحكم) إلى صدام حسين (مجسد حلم أن نفط العرب للعرب ووريث صلاح الدين عسكرياً في نظر الشعوب حتى اقترن الاسمان).. والأخير شارف حد الأسطورة وهو حي وفي أواخر القرن العشرين وليس في خرافات موروثة من قرون مضت. فقد عمت العالم العربي روايات عن ظهور اسمه مضيئاً في السماء, حين كانت جيوش التحالف الثلاثيني تحشد ضده. أما من كانت لهم تحفظات عليه من الكتاب السياسيين, فقد عاد و"تطهر" في نظرهم, بل وباتت سيرة عائلته تقرن بمأساة الحسن والحسين, حين قتل ولداه في قتال غير متكافئ لم يستسلما فيه وآثرا "الشهادة". وصدام نفسه أصبح "شيخ الأسرى" العرب عند المحتلين لأرض العرب في العراق وفلسطين, واستحضر معارضوه السابقين قصائد رثاء قيلت في عبد الناصر عند وفاته من قبل شعراء كانوا معتقلين في سجونه أثناء حياته, وفي مقدمتها قصيدة الشاعر الشعبي أحمد فؤاد نجم التي يقول فيها "إن كان جرح قلبنا, كل الجراح طابت" (أي شفيت)!! هذا التراث يتشارك فيه التياران الأقوى على الساحة العربية: القوميون والإسلاميون، وهما لا يختلفان فيه إلا حديثاً جداً, على عبد الناصر وصدام بالذات. والسبب ليس لأن لهذين الزعيمين خلافات وصدامات مع الإسلام السياسي, فلهما صدامات مع غيره وأحدثوا جراحاً كلها "طابت". الصدام هو لأن الإسلاميين بالذات ليسوا معارضة "ديمقراطية" كما يحتم الحكم الشمولي لهذين أن تكون المعارضة (فالنهج القومي لا يجرؤ أحد على الجهر بالاعتراض عليه), وإنما هم معارضة "إحلالية".. يريدون الحلول محل هذين ومحل كل الحكام العرب, ويزعمون أنهم المؤهلون أكثر ليكونوا "الحكام الصالحين" أي "الديكتاتوريات العادلة"!! وتبقى المعارضة العربية الحقيقية هي تلك الفئة المتنورة التي تأثرت بالحضارة الغربية في مكونيها الرئيسيين: العلم (العقلانية) والديمقراطية, وعلى يدها بدأت النهضة العربية في أواخر القرن التاسع عشر وتوارثتها عبر أجيال مثقفيها. هذه الأقلية تمكنت في العقود القليلة الماضية من حشد أغلبية كبيرة في الشارع العربي, تضم الليبراليين والقوميين واليساريين وحتى رجل الشارع البسيط, وراء مطلب واحد مشترك هو الديمقراطية. هؤلاء عمر دعوتهم الحداثية قرن واحد, ولكنهم قووا وانتشروا بفعل إقناع العقل وقوة المنطق, وليس بهالة قداسة أو سحر أسطورة تجيّش "مجاهدين" إسلاميين أو "فدائيين" قوميين. الآن حين يخذل العالم الديمقراطي هؤلاء, ويقال لكل من ساروا وراءهم إن الديمقراطية عندما تترجم للعربية تصبح "الحكم الصالح لحكام فاسدين".. فإنهم لا يملكون إلا سحب دعوتهم الفتية, وانتظار "خليفة" مهدي منتظر, أو زعيم قومي مخلّص, يضيء اسمه سماء ليل الأمة المظلم!! حلم الشعوب العربية هذا, هو أكبر من مجرد "أزمة" بالنسبة لأميركا, هو أسوأ كوابيسها على الإطلاق.. وعندما يتحقق ستكتشف أميركا أن النهج الكيسنجري في "إدارة الأزمات" قد ورطها, خطوة خطوة, فيما هو أكبر من حرب فيتنام التي استنزفتها لأربع سنوات دامية.. ستكتشف أنها على امتداد خمسة وثلاثين عاماً قد استنزفت بنفسها كل ما يلزمها للعب دور ذي شأن في "السياسة الخارجية" حين أضاعت بوصلتها!!

dimanche 25 mars 2012